ترى ما هي الغربة من وجهة نظرك ؟ ام عن أي غربة تتكلم ؟؟
غربة الزمان ؟ أم غربة المكان ؟ أم غربة الأهل ؟ أم غربة الوطن ؟غربة الروح ؟ أم غربة الفكر ؟ أم تراها غربة المبادئ والقيم ؟ أم هي ذلك كله جميعا؟
لماذا يغتالنا الشعور بالغربة ونحن بين أهلنا وأحبائنا , على أرضنا وفي أوطاننا؟
أم أنها غربة المشاعر والروح؟
لماذا يجتاح ذلك التصحر الرهيب أعماقنا ويغتال أجمل ما في دواخلنا ؟ ماسر ذلك الجفاف القاسي الذي يغمر أرواحنا ؟ والقلق الصامت الذي يدفعنا للبحث عن شيءلا ندري ما هو؟
لماذا تهفو النفس إلى شيء لا تجده ؟ ويرنو البصر نحو أفق لانهاية له؟
الكثير و الكثير من الأسئلة والتساؤلات التي تحملها نظرات تمتزج فيها الحيرة بالقلق , و يعشعش فيها حزن دفين وألم قديم متجدد يغتال الكلمات .
الغربة ::: هي بعض ذلك أو كله وزيادة عليه, هي جزء من تكويننا الروحي والنفسي , تقطن في دواخلنا, تغيب وتظهر , وتنمو وتضمر بقدر وعينا وحجم إدراكنا , ومدى قدرتنا على التلاؤم مع الواقع حولنا , أو انفصالنا عنه .
تزيد بقدر محاولتنا أن نسمو بذواتنا , ونعلو بقيمنا ومبادئنا .
ونمارس إنسانيتنا ؟ إسلامنا حقا , معنى ومبنى , في عالم أخلد إلى الأرضوانغمس في مادته ومصالحه ؟ أهدافه وتطلعاته اللاهثة أبدا خلف السراب.
الغربة ::أن تتحدث بلغة لا يفهمها أحب الخلق لنا , ونتكلم بصوت لا يسمعه أقرب الناس منا.
الغربة :: أن نعيش يومنا دون حلم ننتظره , أو أمل نترقبه , بعدماتبخرت أحلامنا تحت وطأة الواقع كقطرات ندى لامستها أشعة شمس الصباح , وتلاشت آمالنا كسراب لملمته شمس المغيب ورحل معها.
الغربة :: أن نبحث عن جرعة محبة صادقة لم يكدر صفوها مطامع مادية, أو مصالح شخصية فلا نجد سوى الجفاف وقحط المشاعر فنطوي على الظمأ.
الغربة :: أن نبحث عن حضن دافئ يضمنا بحنان ونشعرعنده بالأمان في لحظات ضعفنا وانكسارنا فلا نلقى إلا لسعة الصقيع جمود و قسوة.
الغربة :: أن نبحر مراكب صدقنا في خضم بحر لجّي متلاطم من الكذب والزيف .
الغربة :: أن نكون مختلفين في وسط قوالب بشرية متكررة لا تقبل إلاصورتها , أن نعيش العمق في زمن السطحية والتفاهة.
الغربة.:: إن نفتش عن ذواتنا في كل ما حولنا فلا نرى إلا الفراغ الممتد .
أن نبحث عنّا فينا فلا نجدنا في دواخلنا , أن يقيدنا الزمان ونحن خارجه
أن نبحث عنّا فينا فلا نجد أنفسنا.
الغربة:: هي ذلك كله , أو بعضه , أو أكثرمنه بكثير مما يعتمل في دواخلنا ولا نقوى على البوح به , أو نجرؤ على الحديث عنه , تمتد لتغمر عمرنا كله !! تنخر أعماقنا بصمت , أو تنخر لتستوطن جزءا خفيا من أرواحناومشاعرنا .
فكل منا يحمل بذور غربته في داخله ويعيشها بأسلوبه
لكن ذلك كله يتلاشى حين تلامس جباهنا الأرض في لحظة سجود مخلصة لله رب العالمين .
ذلك كله يذوب مع كلمة ( يا رب ) تخرج صادقة من القلب تعانقها نظرات محلقة إلى السماء.
فمع الله وحده نجد الأنس ونشعر بالأمن ونعيش الاطمئنان , لأننا نعثر على حقيقتنا المفتقدة